حقوق الخدم والعمال في الإسلام

حقوق الخدم والعمال في الإسلام

قال تعالى : { والكظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } آية 134 من سورة آل عمران . 



أعزَّ الإسلام الخدم والعمَّال ورعاهم وكرَّمهم، واعترف بحقوقهم لأوَّل مرَّة في التاريخ -بعد أن كان العمل في بعض الشرائع القديمة معناه الرقُّ والتبعية، وفي البعض الآخر معناه المذلَّة والهوان- قاصدًا بذلك إقامة العدالة الاجتماعيَّة، وتوفير الحياة الكريمة لهم؛ وقد كانت سيرة الرسول صل الله عليه وسلم خيرَ شاهد على عظمة نظرة الحضارة الإسلامية للخدم والعمال، وكانت إقرارًا منه صل الله عليه وسلم بحقوقهم.

فقد دعا صل الله عليه وسلم أصحاب الأعمال إلى معاملة خدمهم معاملة إنسانيَّة كريمة، وإلى الشفقة عليهم، والبرِّ بهم وعدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال، فقال صل الله عليه وسلم : "... إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ[1]، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ"[2]. فجاء تصريح رسول الله صل الله عليه وسلم : "إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ". ليرتفع بدرجة العامل الخادم إلى درجة الأخ! وهذا ما لم يسبق أبدًا في حضارة من الحضارات.

وألزم الرسول صل الله عليه وسلم كذلك صاحب العمل أن يُوَفِّيَ للعامل والخادم أجره المكافئ لجُهده دون ظلم أو مماطلة، فقال: "أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"[3].

وحَذَّر الإسلام من ظلم العمال، فقال الرسول صل الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربِّ العزَّة سبحانه وتعالي: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ"[4]. ليعلم كل مَنْ ظلم عاملاً أو خادمًا أن الله رقيب عليه وخصم له يوم القيامة.

كما يجب على صاحب العمل عدم إرهاق العامل إرهاقًا يضرُّ بصحَّته، ويجعله عاجزًا عن العمل، ولقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم في ذلك: "مَا خَفَّفْتَ عَنْ خَادِمِكَ مِنْ عَمَلِهِ كَانَ لَكَ أَجْرًا فِي مَوَازِينِكَ"[5].

ومن الحقوق التي تُعتبر علامة مضيئة في الشريعة الإسلاميَّة حقُّ الخادم في التواضع معه، وفي ذلك يُرَغِّب الرسول  صل الله عليه وسلم أُمَّته قائلاً: "مَا اسْتَكْبَرَ مَنْ أَكَلَ مَعَهُ خَادِمُهُ، وَرَكِبَ الْحِمَارَ بِالأَسْوَاقِ، وَاعْتَقَلَ الشَّاةَ فَحَلَبَهَا"[6].

ولأن حياته صل الله عليه وسلم كانت تطبيقًا لكل أقواله، فإن السيدة عائشة – رضي الله عنها- تروي فتقول:"«مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا...» [7].

كما نجده صل الله عليه وسلم يقول لأبي مسعود الأنصاري 

عندما ضرب غلامًا له فيقول: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ". قال: فَالْتَفَتُّ فإذا هو رسول الله صل الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله، هو حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ. فَقَالَ: "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ"، أَو "لَمَسَّتْكَ النَّارُ"[8].

فالضرب أو الصفع أو اللطم أو الركل هو إهانة للخادم يأباها الله ورسوله؛ ولهذا فإن أفضل عقاب للسيِّد القاسي القلب هو أن يُحْرَم فورًا من مِلْكِيَّتِهِ، وهذه هي عظمة الإسلام وعظمة الحضارة الإسلامية.

وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صل الله عليه وسلم يشهد شهادة حقٍّ وصدق فيقول: «كَانَ رَسُولُ الله صل الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَذْهَبُ - وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللهِ صل الله عليه وسلم 

 - قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم قَابِضٌ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: "يَا أُنَيْسُ، اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ". قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ أَنَسٌ: وَاللهِ! لَقَدْ خَدَمْتُهُ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ مَا عَلِمْتُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا. وَلاَ لِشَيْءٍ تَرَكْتُ: هَلاَّ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا[9].

من مقال د. راغب السرجاني

http://islamstory.com/ar/%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%AF%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9